Menu

https://nathraonline.blogspot.com/
 تحدى مدون الفيديو، يوري دود، كتل الثلج ودرجات الحرارة التي وصلت إلى 55 تحت الصفر لتصوير فيلمه "كوليما"، الذي ذهب به إلى الأطراف النائية لروسيا من أجل استكشاف أحد أحلك الفصول سوادا في تاريخ البلاد.
وبينما كان يسير فيما يعرف باسم "طريق العظام" الذي يبلغ طوله ألفي كيلومتر، قابل دود نجما محليا في رقص "بريك دانس" وسكانا آخرين. وكانت مهمته تتبع تاريخ معسكرات الاعتقال السوفيتية المعروفة باسم "Gulags" في عهد الديكتاتور السوفيتي الراحل جوزيف ستالين.
ومن النادر في روسيا أن يتم مناقشة هذا الموضوع الذي يتمس بالفظاعة، وحتى حين التعرض لمناقشته، يتم ذلك بهدوء شديد. ومع ذلك، أثار الصحفي دود ضجة بين الشباب الروس بفيلمه القوي عبر الإنترنت: حيث تجاوز عدد مشاهدات الفيديو الذي أعده على موقع "يوتيوب"، والذي يدور حول نظام جولاج الوحشي، 15 مليون مشاهدة وذلك منذ نشره في نهاية نيسان/ أبريل الماضي.
إنه يقتحم عش الدبابير عن عمد ليكشف عن جهل جيل كامل، وبذلك، تزداد أعداد تلاميذ المدارس والطلاب الذين يزورون متحف جولاج في موسكو.
يبدو دود (32 عاما) أنيقا وقد ارتدى حذاء الثلج وسترة من الفراء بلون أحمر زاه، وهو يجتاز بمشقة الثكنات والسجون المهجورة ليجري بحثه.
لقد أحضر معه طائرة بدون طيار لمساعدته في تصوير المناظر الطبيعية المذهلة، ليعرف سبب استمرار رغبة الشباب في العيش هنا.
ويقول دود لمشاهديه وقد شرع في رحلته: "هذه البلاد جميلة، ووحشية. إنها تملك تاريخا بشعا وحاضرا معقدا".
ومن مدينة ماجادان على المحيط الهادئ، يسافر دود بالسيارة إلى ياكوتسك، أحد الأماكن الأكثر برودة على وجه الأرض.
وهناك، يتحدث مع أحفاد سجناء جولاج الذين أنشأوا الطريق السريع وسط البرد والجليد، وقد هلك الكثيرون منهم أثناء ذلك.
وإلى يومنا هذا، لا يزال العديد من أحفاد الضحايا والجناة، وأبناء الأحفاد، يعيشون في المنطقة. وأخبره شاب يدعى روستيسلاف، وهو مؤرخ ومن مشاهير رقص "بريك دانس" المحليين، أن الحياة هنا باهظة التكاليف ورتيبة. ويقول في الفيلم: "يريد الجميع أن يرحل، لكننا لا نستطيع ذلك".
ولا يزال مصطلح جولاج، وهو اختصار لـ "الإدارة الرئيسية لمعسكرات العمل الإصلاحي"، يمثل نموذجا مصغرا يجسد عهد ستالين المروع.
وفي هذه المنطقة القاسية، كان يتم إجبار السجناء على إنشاء الطرق والعمل في أي ظروف طقس، أو على استخراج الذهب واليورانيوم. وكانت هذه المعسكرات مصير نحو 20 مليون شخص، لقي قرابة مليونين منهم حتفهم.
وعلى الرغم من ذلك، لا تزال أسطورة ستالين مهيمنة في المجتمع الروسي اليوم. ووفقا لمسح أجراه معهد "ليفادا" للأبحاث، يكن واحد من بين كل أربعة روس إعجابا لزعيم الكرملين الراحل. وفي الوقت نفسه، يقول ما يقل قليلا عن ثلث شباب روسيا اليوم إنهم لم يسمعوا قط عن جرائم ستالين.
وعزا المشاركون في استطلاع للرأي ارتفاع شعبية ستالين بالدرجة الأولى إلى أنه قاد بلادهم إلى الانتصار في الحرب العالمية الثانية وتحويلها إلى قوة نووية.
يذكر أن الروس اعتادوا حمل صور ستالين والسير بها في الشوارع في الذكرى السنوية لانتهاء الحرب العالمية الثانية التي تحل في التاسع من أيار من كل عام، وهو أهم الأعياد القومية في روسيا.
وينتقد حقوقيون منذ فترة طويلة تمجيد ستالين ويعيبون على أهل السلطة في بلادهم أنهم لا ينأون بأنفسهم عن الجرائم الشيوعية بصورة كافية إذ أن ستالين كان يضطهد خصومه ومخالفيه في الفكر ولاسيما خلال حقبة ثلاثينيات القرن الماضي.
ويقول دود، المعروف منذ فترة طويلة في روسيا بمقابلاته الاستفزازية مع معارضي الكرملين وساسة في قناته على موقع "يوتيوب"، إن هذا هو بالتحديد السبب وراء مشروعه البحثي الاستثنائي.
وتقول المؤرخة إيرينا شيرباكوفا، من مجموعة "ميموريال" الشهيرة لحقوق الإنسان: "هذا لا يجعل الشباب يشعرون بالقهر والتجاهل والصغر". وتشير إلى أنه عبر الأسئلة التي يتعمد أن تكون ساذجة وصدامية، فإن دود هو الطرف النقيض لقنوات التلفاز والدعاية الحكومية التي تشيد بالراحل ستالين كبطل ولا تذكر جرائمه سوى بشكل عابر.
وقالت المؤرخة شيرباكوفا لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) إنه لهذا السبب كان هذا المشروع الخاص بالصحفي دود ضروريا منذ فترة طويلة. مضيفة: "في روسيا، يزداد معسكر الإعجاب ستالين قوة فوق قوة. يأتي هذا من الساسة، ويريده المجتمع أيضا ... هذه الروح موجودة، حتى بين المعلمين".
وفي الوقت نفسه، هناك أيضا اهتمام متزايد بتاريخ العائلة، حيث تقول شيرباكوفا: "في روسيا، المستقبل غير مؤكد. لذلك يريد الشباب معرفة من أين أتوا والتعرف على هويتهم".
وأوضحت أن شبكة الإنترنت سهلت الأمر كثيرا على من يسعى إلى العثور على معلومات، خاصة إذا كان الوصول إلى السجلات قد أصبح أكثر صعوبة أمامهم. لذلك، فإن دود قد أصاب عصبا حساسا.
وبعد نشر الفيلم، انتقد معلقون المشروع ووصفوه بأنه تافه للغاية، وقالوا إنه لايجب أن يضيع الشباب وقته في هذا الموضوع على الإنترنت.
وعلى الطرف الآخر، لم يؤثر ذلك على المعجبين بالصحفي دود، فقد أكد متحف "جولاج" في موسكو لـ "د.ب.أ" إن الفيلم أثار طفرة في أعداد الزائرين.
ويعطي ذلك بصيصا من الأمل للمؤرخة شيرباكوفا، التي تقول: "إذا نجح الفيلم في أن يروي ظمأ الشباب للتاريخ، فهذا هو النجاح الأعظم. ولكن في ظل هذا النظام، لن يحدث أي نقاش سياسي".

إرسال تعليق

 
Top